(اطلالة على انصاف عالم لخصومه)
من أغرب الكلمات التي سمعتها قول احد الشباب المنتسبين للعلم الشرعي عندما ذكرت له مهما تختلف مع اي عالم أو شيخ وتيار فلا تظلمه واذكر محاسنه ان وجدتها ، فتعجبت من رده وقوله لي لا نذكر محاسن من وقع في بدعة أو قول مخالف !! وزاد تعجبي بإرساله لي بعض المقاطع من اليوتيوب ومقولات لمشايخه يؤكدون هذا المعنى!! ومع هذا الطرح السطحي والذي يفتقر الى ادنى معلومات و فقه بالتاريخ وسير اهل العلم من رموز الأمة الشرعية والعلم بقواعد العلماء وتأصيلاتهم الشرعية والمنطقية ، أردت أن اضع أمثلة بسيطة (ليست للحصر) لأبين فيها كيف تعامل شيخ الاسلام ابن تيمية مع أكثر فئة قام بالرد عليها وكتب فيها الردود بل وصل الأمر الى سجنه بسبب شكاوى وتحريض منهم وهم (الأشاعرة) ، وهذا العداء منهم وردود شيخ الاسلام عليهم بهذه الضخامة لم تمنعه من ذكر محاسنهم وأفضالهم والحرص على تأليف القلوب معهم والتعاون كذلك ، وقد وجدت مشايخنا الفضلاء مثل د.عبدالرحمن المحمود في كتابه موقف ابن تيمية من الاشاعرة وهي رسالة قيمة جداً وفريدة في بابها والشيخ عبدالباسط الغريب بمقاله بملتقى أهل الحديث وضعوا امثلة على انصاف شيخ الاسلام للأشاعرة وتعامله وتعاونه معهم ومنها:
- الثناء على نظام الملك والامام الجويني وغيرهم من كبار الأشاعرة:
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : وكانت الرافضة والقرامطة- علماؤها وأمراؤها – قد استظهرت في أوائل الدولة السلجوقية، حتى غلبت على الشام والعراق، وأخرجت الخليفة القائم ببغداد إلى تكريت وحبسوه بها في فتنة البساسيري المشهورة، فجاءت بعد ذلك السلجوقية حتى هزموهم وفتحوا الشام والعراق، وقهروهم بخراسان وحجروهم بمصر، وكان في وقتهم من الوزراء مثل » نظام الملك«، ومن العلماء مثل أبي المعالي الجويني، فصاروا بما يقيمونه من السنة ويردونه من بدعة هؤلاء ونحوهم لهم من المكانة عند الأمة بحسب ذلك، وكذلك المتأخرون من أصحاب مالك الذين وافقهوه كأبي الوليد الباجي، والقاضي أبي بكر بن العربي ونحوهما، لا يعظمون إلا بموافقة السنة والحديث .
مجموع الفتاوي (4/18) وموقف ابن تيمية من الأشاعرة (3|254) وقال الشيخ عبد الرحمن المحمود : والوزير نظام الملك الذي ذكره شيخ الإسلام يعتبر من أبرز من نصر المذهب الأشعري من خلال المدارس النظامية التي أنشأها في أنحاء متفرقة من العراق وخراسان، وهو يذكر فضله فيما قام به من دعم للسلاجقة السنة في مقابل البويهيين الشيعة، ولذلك مدح صلاح الدين الأيوبي – وقد كان يتبنى عقيدة الأشاعرة – فقال عن مصر: » ثم .. فتحها ملوك السنة مثل صلاح الدين، وظهرت فيها كلمة السنة المخالفة للرافضة .
موقف ابن تيمية من الأشاعرة (3|254)
-الثناء عليهم في الجملة وتبيان جهودهم :
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة وحسنات مبرورة , وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم
درء تعارض (1|283)
- موقفه مع المخالفين له في عصره:
قال الشيخ عبدالرحمن المحمود : وقد مدح شيخ الإسلام القاضي بدر الدين ابن جماعة وأيده ، ونقل السبكي في طبقاته أن تقي الدين ابن تيمية كان كثيراً ما يثني على والده تقي الدين السبكي، وأنه: كان لا يعظم أحداً من أهل العصر كتعظيمه له، كما ذكر في ترجمة علاء الدين الباجي -واسمه علي بن محمد بن عبد الرحمن - أنه: لما رآه ابن تيمية عظمه، ولم يجر بين يديه بلفظة، فأخذ الشيخ علاء الدين يقول: تكلم نبحث معك، وابن تيمية يقول: مثلي لا يتكلم بين يديك أنا وظيفتي الاستفادة منك .
موقف ابن تيمية من الأشاعرة (3|270)
- يمتدح شيخ الإسلام ردود الغزالي على الفلاسفة في مسألة إثبات الصانع وينقل ما ذكره من الطعن في طريقة ابن سينا وأمثاله:
يقول شيخ الإسلام معقباً: وهذا الوجه الذي ذكره أبو حامد أحسن فيه، وكنت قد كتبت على توحيد الفلاسفة ونفيهم الصفات كلاماً بينت فيه فساد كلامهم في طريقة التركيب قبل أن أقف على كلام أبي حامد، ثم رأيت أبا حامد قد تكلم بما يوافق ذلك الذي كتبته ، كما يعترف له في مناسبات أخرى
مجموع الفتاوى (1/49-50)، ودرء التعارض (8/16، 10/135-152)، وشرح الأصفهانية (132) وموقف ابن تيمية من الأشاعرة (3|265-267)
- حرصه على تأليف القلوب بين الحنابلة والأشاعرة:
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :
والناس يعلمون أنه كان بين الحنبلية والأشعرية وحشة ومنافرة, وأنا كنت من أعظم الناس تأليفا لقلوب المسلمين , وطلبا لاتفاق كلمتهم ,وإتباعا لما أمرنا به من الاعتصام بحبل الله , وأزلت عامة ما كان في النفوس من الوحشة , وبينت لهم أن الأشعرى كان من أجل المتكلمين المنتسبين إلى الإمام أحمد رحمه الله ونحوه المنتصرين لطريقه كما يذكر الأشعرى ذلك فى كتبه .
مجموع الفتاوى (3|228)
هذه مجموعة نقول اثبت فيها انصاف شيخ الاسلام ابن تيمية لأكثر فئة اختلف معها ورد عليها وتم سجنه بسببها وهم الأشاعرة ،لأثبت هنا بطلان القاعدة التي وضعها أهل التعصب وبعض الجهلة ممن يفتقر لأدوات العلم الشرعي وفقه التاريخ والسير ، وان كان البعض يعتقد أن شيخ الاسلام هو رمز من الرموز التي يفخر بها فيجب عليه المضي بمنهجه بهذا الأمر ، ولا يكون المنهج بالتشهي بالأقوال والإجتهادات للعلماء بل بما وافق الدليل ولا قدسية لأحد منهم ، ولا اعلم مدى الحقد والكراهية من البعض بوضع اصل فاسد لا اساس له بأن من عنده بدعة او خطأ او زلة من العلماء وغيرهم لا تذكر محاسنه .