إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 29 أغسطس 2021

تحرير مصطلح (التصوف)


🔴 تمهيد:

من أهم المصطلحات في التاريخ الإسلامي هو مصطلح (التصوف)، وهذا المصطلح وما تفرع عنه، وما ترتب عليه يُعد من أهم مسائل الجدل والخلاف المعقد في التاريخ الإسلامي وعلومه، وأحواله، وفي كل فترة تتجدد المعارك حول هذا المفهوم، وما فتئ التطور له في تضخم، وأزمة التصوف تكمن في مدى عدم ضبط المصطلح وتاريخه، وعدم معرفة تفاصيل التأسيس، والخلاف ، والتطورات.


🔴مشكلة التعريف:

ومشكلة التصوف الأولى تكمن في تعريفه، فحصلت خلافات متعددة حول هذا المصطلح، وقد فندها العديد من العلماء من أبرزهم القشيري وابن خلدون وابن تيمية وغيرهم، وقاموا بتفنيد بعض الأصول من ناحية اللغة أو المفهوم، ولكن ابن خلدون وابن تيمية ذهبا إلى أن المصطلح يرجع إلى لبس (الصوف) كدلالة على الفقر والزهد، وفي هذا شواهد لأقوام ذكروا في أحاديث نبوية، وقد أصبح المفهوم ثابتاً لهذا الفهم لاحقاً بعد منتصف القرن الثاني، وكذلك بعد بيان الأصل اللغوي لهذا المفهوم، تظهر أزمة تعريفه كمصطلح، فقد ذكر كثير من الباحثين ومن أبرزهم د.عرفان عبدالحميد رحمه الله أن التنوع الكبير في تعريف التصوف راجع إلى أنه يعبر عن حالة ذوقية ترجع للسالك نفسه، فيصعب أن تحدد بتعريف منضبط، فكل شخص يعبر عن حاله ، ولكن مجمل هذه التعريفات تعبر عن حالة المسير إلى الله ورضاه وتنقية النفس والحال من كل العلائق.



🔴 أصل التصوف:

يرجع حال التصوف إلى مسألة الزهد، والطريق إلى الله والتعلق به، كما يبحث حال السالك وما يتعرض له من أحوال تقربه أو تعيقه عن ذلك، وجذور هذا المفهوم موجودة في الإسلام عبر نصوص كثيرة في القرآن والسنة وأحوال السلف من الصحابة وغيرهم، فقد قال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [سورة الحديد الآية:20]، وغيرها من الآيات، ومن الأحاديث النبوية قوله صلى الله عليه وسلم: ((ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس))؛ حديث حسن، رواه ابن ماجه وغيره بأسانيدَ حسنة، وغيرها من الأحاديث، لذلك فجذور التصوف بمضامينه موجودة في الإسلام، ولكن بعض المستشرقين ومن تبعهم مثل (ماسينون) ، و(بروكلمان) ذهبوا في فرضية مشهورة أن الإسلام يفتقر للقيم الروحية، وعليه أن ما كان في الإسلام من ثقافة (روحية) قد تم استمدادها من الثقافة الوافدة، كالمسيحية، والأديان الهندية، واليونانية، وغير ذلك، ومع صحة بعض هذه الفرضيات خاصة مع التطورات المتبدعة والكفرية التي أُقحمت في الدين بسبب هذه الثقافات، إلا أن الزهد والروحية لها أصل في الإسلام كما أشرت ببعض الأدلة، ولا يخفى هدف هؤلاء من نزع وتقويض مميزات الإسلام، وترسيخ (توفيد) أصوله ومميزاته، وخصائصه.


🔴 تفكيك الاشتباك:

وبعد هذا العرض للمصطلح ، يتبين لنا تنوعه، وما يحمله من تراكم تاريخي متطور، قد يعسر على الباحث المتمكن بأن يخرج بنتائج جامدة بكل ما يتعلق به، وهناك نقاط مهمة حول هذا الموضوع :


١- التصوف كمصطلح: يجب منع تعميم مفاهيم معينة على كل من ينتسب له، فهو مصطلح عام مثل السلفية، والمذهبية الخ ، فالتفريق والتفصيل يوصل للتصور الصحيح (الحكم على الشيء فرع عن تصوره)، وقد تعامل معه بعض العلماء في السابق مثل ابن تيمية، وقد وصل إلى الثناء على بعض رموزه، وكذلك في العصر الحالي مثل ابن إبراهيم آل الشيخ وغيرهما بتفصيل، فقالوا منه المحمود ومنه المذموم.


٢- التصوف كتاريخ وأحكام: فمنه ما يصل إلى الكفر ، فما كان عند الحلاج وابن عربي وغيرهم، ومنهم ما وصل إلى البدعة، ومنهم ما وصل إلى خلاف الأولى، ومنهم ما عمل بالمختلف عليه، ومنهم من سار على المنهج السليم .


٣- التصوف والجهاد: لا يرادف التصوف الخنوع ،الضعف، التسليم للواقع، فهذه صور حدثت في التاريخ، وقد يوجد بالتصوف مفاهيم يتم استخدامها بذلك، ولكن هناك صور مشرقة في تاريخ الأمة وحاضرها من جهاد بعض من حمل هذا الإسم أو كان مرتبطاً معهم.


٤- التصوف والأشعرية: لا يرتبط التصوف مع الأشعرية مطلقاً، فهناك من المتصوفة بكل أنواعهم من لا ينتسب لهم، كالجيلاني والمحاسبي وغيرها، كما أن من الأشعرية من لا توافق غلاة التصوف، هناك من الأشاعرة من حاربوا التصوف الغالي وحتى المبتدع في كثير أو قليل، وربما كان بعضهم الرواد في ذلك، ولكن كانت هناك تنوعات مرتبطة بالمذاهب، والجامعات، والتطورات السياسية، والجغرافية، جعلت من هذا التلازم في عقل غالب الناس، وهذا غير صحيح، وحتى في السنوات الأخيرة، تدور معركة بين أنصار سعيد فودة الأشعري مع أشاعرة من الفرق الصوفية تتعلق في ابن عربي، فيذهب الأول إلى ثبوت عبارات مخلة في مؤلفاته، وغير ذلك من المعارك.


٥- التصوف والتوظيف السياسي: يعبر التصوف كأداة وظيفية  اللون الفاقع من الحالة العامة كغيره من المذاهب المعاصرة، وقد كانت هذه الفكرة معمول بها في بلداننا، وكذلك حسب تقرير راند الذي أوصى بالاهتمام في التصوف وترسيخ جذوره لمحاربة (الحركية) الإسلامية، ويتم استخدام أدوات الرضوخ للواقع، والاهتمام بالذات والنفس التي لها بعض الجذور عند فرق التصوف الغالي، ولكن هذا اللون ولو كان فاقعاً فلابد من أن لا يحجب بصرنا على الصورة الكلية.


🔴 الخاتمة:

ومن خلال هذا المقال المقتضب أردت أن نتفهم (الصورة الكلية ) للتصوف ، ولا أقصد من هذا العرض التهوين من أي خطأ وحجمه في النقاط المعروضة، ولكني أردت التمهل في فهم وقراءة المصطلحات وتاريخها، ورموزها، وحيثياتها، وفيها من الاشتباكات الكبيرة والمتشعبة، فلا نتكلم عن هذا المصطلح إلا من خلال وعي وتحليل، لأن هذا المصطلح له تاريخ كبير مابرح الباحثون من التوصل إلى حقائقه، فهذه دعوة للوعي ، ودعوة للتأني والفهم، وكذلك لقراءة محايدة في الأصول وتحليلها، مع رصد الواقع السياسي والفكري الحالي.


ملاحظة: تم تجاهل بعض الأمثلة والأسماء أحياناً للحفاظ على الفكرة العامة للمقال


والله المستعان؛