إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 6 يناير 2019

في وداع الفنان الإنسان...


لا تقتصر وسائل التأثير على الإنسان من خلال الدروس والمحاضرات والكتابات فقط ، فهناك أمور كثيرة من الوسائل لها دورها المميز في التأثير ، ومن تلك الوسائل الجانب الفني الانشادي خاصة اذا كان لغايات نبيلة وبقيم راقية ، ومن أبرز من عمل بهذا الجانب هو الأخ مشاري العرادة رحمه الله الذي كان علامة مميزة في تاريخ الفن الانشادي ، فقد تميز بومساعد رحمه الله بالمستوى الرفيع من اختيار الكلمات والالحان واستمر على ذلك حينما ضعف الفن الاسلامي في الواقع واصبح بلا لون ولا رائحة الا نادراً.

لقد عرفته كغيري من خلال الانشودة الرائعة أمي فلسطين من كلمات العلامة القرضاوي حفظه الله وكانت هذه الانشودة وألبوم يارجائي الأول لهم انتشار واسع في الكويت وباقي الدول عند كل من يهتم بهذا الفن الانشادي ومن ولم يهتم به ، وعندما سمعنا لاحقاً بقرب نزول اصدار يا رجائي الثاني توقعت ان التكرار في الغالب لا ينجح ولن يستمر، ولكن استمر ابداعه رحمه الله في الثاني والثالث والرابع وهذا يبين مدى حرصه وعنايته في اعماله فلا يقدم الا الجميل والراقي، كما كانت له أعمال مميزة غيرها في مهرجانات وغير ذلك .

ومن أبرز الأناشيد الجميلة التي عملها هي فرشي التراب من كلمات الرائع أحمد الكندري التي كانت لها بصمة رائعة وانتشار كبير أدى إلى أن ربط كل من رثاه بعد وفاته بهذه النشيدة الجميلة ، ومن هنا نعلم أن القيم الراقية والأداء الكبير هو من ينتج هذا الابداع المستمر ، وقد غلبت على أعمال مشاري العرادة الجانب الروحاني المتعلق بالابتهال والثناء على الخالق سبحانه مع وجود بعض الاعمال المتعلقة بفلسطين والتراث الكويتي والجوانب الانسانية.

لم أكن أعرفه رحمه الله معرفة عميقة ولكني حزنت عليه كثيراً فلا يشترط أن تعرف الانسان بعمق حتى تحزن عليه فأعماله وكلماته نسمعها منذ سنوات في فترات متقاربة في يومياتنا مثل غيره من ابرز نجوم الفن الجميل ، واعلم مدى شعبيته واهتمام الناس بأعماله ولكن بعد وفاته رأيب العجب من اهتمام الناس به وحزنهم عليه من شعوب الخليج ورموزها الدعوية وغيرها ، وفي جامعتي بالأردن قام بعض الاخوة بتعزيتي بوفاته وذكروا مدى تعلقهم وتأثرهم بأعماله ، ويبين هذا الأمرى مدى وجود القيم في اعماله وتوازنها فقد اهتم فيها من يميل الى الاسلوب الغنائي العادي والانسان الذي يميل الى الانشاد العادي المعروف وهذه هي القمة في قوة الرسالة وتوازنها ، كما كشفت وفاته عن بعض أعماله الجليلة في الجانب الخيري والانساني تجسدت مع كلماته الجميلة في اعماله فكان فعلاً هو الفنان الانسان...رحمه الله واسأل الله له خير الجزاء والمصير .

السبت، 5 يناير 2019

عدنان إبراهيم ...ظاهرة التمرد إلى طريق الشك أو الإلحاد



بدأت شهرة د.عدنان ابراهيم في أعوام ٢٠٠٨ إلى ٢٠١٠م كشخصية تطرح كثير من الأفكار والمفاهيم الإسلامية وله عناية كبيرة بالفلسفة وعلم الكلام مما جعل كثير من الشباب يتهافتون إليه ومنهم في الكويت من شباب الحركة الإسلامية وغيرهم ، وقد كان قريباً من الإسلاميين وأثنى على كثير من رموزهم القديمة والحديثة ، ولكن الحدث المفصلي والحساس في مسيرته عندما صعد منبره وخطب خطبته الشهيرة التي أساء فيها إلى الصحابي الجليل معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه وما تبعها من تعليقات وظهور له في عدة مناسبات للحديث حول هذا الموضوع كبداية ثم الانطلاق نحو حديث شمل العديد من الصحابة ثم تطور الأمر إلى الحديث عن بعض الثوابت العقدية مثل نزول المسيح وغيرها مروراً ببعض الحديث عن التاريخ الإسلامي ، وقد اصطحب بعض شبهات المستشرقين مثل مدحه للجعد ابن درهم وأنه قتل ظلماً بسبب معارضته السياسية ! وغيرها من الشبهات .

لقد انشطر أتباع عدنان ابراهيم بعد توجهه الأخير بين مبتعد وناقد له وبين معجب به ومتحفظ على بعض أفكاره وبين من ذاب فيه وعشقه في كل أفكاره وحارب من أجله خاصة بقضية الصحابي معاوية التي زامنت اثارتها الربيع العربي وقضايا الاستبداد والثورة ضده ، فقد جعلوا الصحابي الجليل رمزاً من رموز الاستبداد ، وكانت هذه الظاهرة منذ عام ٢٠١١ إلى ٢٠١٣م ، ولكن عندما ظهرت الثورات المضادة صُدم كثير من أتباعه بهجوم شرس ضد الحكم بعهد مرسي وكلام يُفهم منه انتصار للعسكر ، فأصبحت هذه الحادثة وبعدها من الحوادث في هذا السياق هزة عنيفة لكثير من المتأثرين فيه فقد علمهم الثورة على الاستبداد ورأسه الصحابي معاوية رضي الله عنه "في وجهة نظرهم" إلى أن أصبح يذوب مع أنظمة الثورة المضادة ! ووسائلها ، وبقيت معه بعض الفئات بعد هذه التراكمات بين معجب ذائب ومعجب متحفظ على بعض الأفكار..، وقد ضعفت شعبية عدنان منذ عام ٢٠١٦ تقريباً ولكن آثارها مستمرة.

لقد أثارني في هذا الحديث عن عدنان ابراهيم متابعتي لبعض الشباب الذين أعرفهم عن قرب وبعضهم من بعيد كيف تحولت كثير من أفكارهم إلى منحنيات خطيرة بين أصحاب للأفكار الهدامة إلى غوص في عالم الملحدين وأغلبهم كان لعدنان ابراهيم تأثير عليهم! في أحد أطوارهم ، والغريب أنني رأيت كثير من الشباب الذين ليست لهم ميول إسلامية قد تأثروا كذلك بعدنان ابراهيم ! ، وقد حدثت عندي فهذه الفكرة منذ مدة بسؤال جوهري وهو : ماهي علاقة عدنان بظاهرة الهجوم على الأصول مروراً بالإلحاد خاصة وقد عمل بعض الحلقات التي تحارب الإلحاد ! ، والغريب بأني حاورت أحد أساتذة العقيدة في الأردن وذكر لي أن أغلب حواراته مع الشباب الذين لديهم شكوك في الدين أو ذهبوا إلى الإلحاد كان لهم مرور مع عدنان أو قد كانت بدايتهم معه! ، فزادت الفكرة القديمة عندي عمقاً وصلابة ! ، فما هي الأسباب لهذا الأثر والجاذبية؟

1-   أن عدنان من خلال كثير من الآراء قد ساهم في كسر الحواجز والخطوط الحمراء تجاه بعض المفاهيم والأصول الدينية مثل مبالغاته في تأويل النص إذا خالف العقل (طبعاً عقله) ، وكذلك رد أحاديث في البخاري والهجوم على بعض الصحابة وغير ذلك .. مما سبب في الجرأة على الأصول الدينية وفتح المجال نحو التوسع في ذلك حتى فوق الحد الذي يريده عدنان! ، فعندما تم كسر الحاجز فلا يستطيع هو أو غيره أن يوقف من علمهم ثقافة (كسر الحواجز) و (التمرد على الممنوع) أن يوقفهم إلى حد معين؟!.

2-   أن كثير من الشباب والكبار لديهم ضعف كبير في الثقافة الشرعية وتفاصيلها فعرف عدنان كيف يثيرهم بالأسلوب الخطابي الجذاب والاستعراض الجاذب لأفكاره من خلال الصوت ولغة الجسد وعرض الكتب فظنوا بصواب ما يقول ودقته .

3-   أن كثير من الشباب لم يجدوا من الدائرة المحيطة من الرموز الشرعية من يشبع لهم رغبتهم في المطالعة الشرعية بطريقة جذابة وعصرية واستخدام للمنطق والعقل والأسلوب الخطابي ، كما لا تجعلنا الخصومة ان ننفي وجود فوائد علمية ومهمة عنده في حلقاته وخطبه ، كما أن عدنان متواجد بشكل مستمر وقريب من الناس في خطبة أسبوعية منهجية وتواجد في كثير من وسائل التواصل للجواب عن الأسئلة والتطورات الفكرية والسياسية ، كما لعبت بعض القنوات المشبوهة دور مهم في تلميعه.


4-   نزعة التمرد الموجودة عند الشباب بنقد التراث والمألوف كما أن كثير من الرموز الشرعية ساهمت في كثير من آرائها الفقهية ومواقفها السياسية بردة فعل نحو من يهاجم هذه الثقافة ، وقد ساهم الربيع العربي بلا شك في تنمية هذه الحالة النفسية والسلوكية .

هذه أبرز النقاط التي خرجت منها في هذه الكلمات ، وحقيقة أنا لست مع الرأي الذي يتبنى أن عدنان إبراهيم جاهل في العلم الشرعي أو لديه قصور معرفي ، وهذا لا شك فيه توصيف غير دقيق والأصوب هو وجود الأهلية الشرعية والمعرفية عنده مع وجود تعمد التلاعب والتزييف تارة مع الذوبان في ثقافة المستشرقين والحداثيين تارة أخرى ، ربما ضعفت ظاهرة عدنان ولكنها لم تنتهي مطلقاً وستأتي كثير من الظواهر القريبة والبعيدة ، ومن الأفضل مواجهتها بالتأصيل المنهجي الوسطي والقريب من الناس فهذا هو حل المواكبة مع الموجة الجديدة التي ساهمت في تفجيرها وزيادتها وسائل التواصل والظروف المحلية والبيئية في الإقليم.

الثلاثاء، 1 يناير 2019

السيد عبدالله بشارة و"أزمته في التحضر"



كتب السيد الفاضل عبدالله بشارة بزاويته في جريدة القبس عن حكم المحكمة الدستورية الذي نتج عنه سقوط عضوية بعض النواب الأفاضل مثل د.وليد الطبطبائي ود.جمعان الحربش ، ولا أعلم سبب تلك "الدراما" التي صنعها لأحداث ما بعد الحكم ، ووضع فيها عدة مصطلحات وحوادث لا يُفهم من اقحامها الا أنه أراد حشرها عنوة في مقاله ليصل مع القارئ لنتيجة هو يريد ترسيخها في ذهن القارئ ، لقد طرح السيد عبدالله بشارة بعض النتائج التي أبرز فيها "حراك غير متحضر وقبلي ثم حزبي" والمفاجأة تحديده بالحدسي "الحركة الدستورية الإسلامية"!

لقد حاول السيد بشارة شيطنة أي ردة فعل تجاه حكم المحكمة "الذي نقدره عملياً كنتيجة خرجت من سلطة مهمة ومقدرة في الدولة" ومن حق جميع الناس مع تقديرهم العملي  نقده ومناقشته من غير اساءة وسوء ، والواضح لكل متابع أن الرأي المخالف لحكم المحكمة تبناه العديد من الخبراء والشخصيات "الأغلب" التي لا تنتمي لأحد القبائل وكما  تتعارض مع أفكار وكيان الحركة الدستورية الإسلامية فكيف خرج بهذه النتيجة العجيبة!!، كما أن ردود الأفعال كانت في الغالب بحدود النقد والتعليق دون اساءة وفوضى ، لذلك أرى أن السيد بشارة وضع هذه الدراما وحشر فيها أدوات الصراع من "قبائل ، أحزاب ، حدس،.." ليخاطب شريحة تريد هذه النتيجة أو يريد هو أن يقنعهم بها! ، وماذا عن موضوع سقوط عضوية أحد النواب سابقاً الذي وقفت الحكومة معه فهل ثارت ثائرة وفزعة السيد بشارة للمحكمة وقتها !؟

تطرقت للسيد عبدالله بشارة بما يمثله من رأي وتاريخ مقدر عند فئات كثيرة في المجتمع وأنا منهم مع اختلافي مع كثير من أفكاره وتصرفاته التي تحتاج لوقفات وتحليل ، ولما لهذا الفكر من خطورة وتزوير لعقول الناس يُراد فرضها وتسويقها بثوب "جميل" بعد أن سوقها غيره بثوب "متسخ" في السابق ، كان ولابد من التصدي لهذه الفكرة والله المستعان؛