ظهر د.سعد بن طفله في مقال له على صحيفة (اندبندنت عربية) يبين لنا مفهومه الجديد الذي أسماه(صهيوخونجية)، وملخص هذا المقال (الفريد من نوعه) هو : كون الإخوان المسلمين مشروع من تأسيس بريطاني!، وقد تزامن وجودها مع تطور الصهيونية من باب تأسيس كيان ديني يتواكب مع الكيان الصهيوني الديني!، فتتحول بذلك قضية فلسطين لقضية صراعات دينية، وليست صراعات محتل وأصحاب أرض، ثم سحب هذه الفكرة إلى نشأة حركة حماس (الدينية) مع وجود (جهات متنوعة فكرياً) مثل أنصار عرفات وجورج حبش!، التي تقاوم المحتل، لذلك يرى بن طفله عن نشأة حماس أن هدفها حتى تغير مسار الحرب إلى (صراع ديني)!، وبعد ذلك من مفارقاته العجيبة ذكره قضية شكر وتكريم حماس لحركة الحوثي!، ومدى تأثيرها على الضرر بأمن الخليج !، ولا أعلم محل حديثه عن هذه القضية(من الإعراب!) .
وبعد التأمل البسيط في مقال د.سعد يظهر لنا أنه يعيش ضمن ظاهرة تفسيرها تنطلق من أمرين، وهما : أنه يعيش صراع (نفسي) مع جماعة الإخوان المسلمين، ويضع ويلبس (شواهده) الواقعية حسب رؤيته عليها، وأنه يعيش بما يسمى بنظرية (العوالم المتعددة!)، وعوالم سعد بن طفله محيرة جداً! فمرة تظهر مشكلته مع البريطانيين، ومرة مع الحركة الصهيونية، ومرة مع الحركات الدينية، ومرة مع الأخطار التي تهدد أمن الخليج! ، وفي كل عالم من عوالمه تعارض وتناقض مع الآخر كما سيأتي.
ومن أبرز النقاط التي أثارها سعد بن طفله موضوع علاقة الإخوان المسلمين في بريطانيا وتزامنها مع نشأة الصهيونية، ويكفيك في الرد على هذا الكلام المتهالك هو قراءة الواقع نفسه والأحداث السياسية فيه وذلك :
١- أن يراقب الأحداث في وقتها يعلم كيف واجهت حركة الإخوان المسلمين المحتل البريطاني من جوانب متعددة، فقد قاومت الحركة الفكرية التي كرسها المحتل بنشره للتغريب في الفن والتعليم والسياسة.
٢- تمت مقاومة حركة التنصير التي رعاها وزرعها المحتل، وكيف تم التضييق على الإمام حسن البنا في وظفيته ونقله مرات عديدة بسبب هذه المواجهة.
٣- وكيف تمت التدخلات البريطانية في منع ترشح حسن البنا للبرلمان، ثم تزوير التصويت في المرة الأخرى.
٤- وكيف كانت حملات المقاطعة الاقتصادية التي قادتها الجماعة ضد المحتل سواء في التأصيل أم التنفيذ.
٥- وكيف كانت العمليات النوعية ضد المحتل إلى أن بلغت قوتها في معركة القناة سنة ١٩٥١م، وكان من نجومها يوسف طلعت ومحمد فرغلي وغيرهما..
٦- وكيف صدر قرار حل جماعة الإخوان المسلمين على يد النقراشي بتوجيه من سفراء بريطانيا وأمريكا في مؤتمر (فايد)، وكيف حصلت حادثة مقتل الإمام حسن البنا والتضييق على تشييع جنازته ثم سجن أنصاره.
٧- ومن حاصر الإخوان بعد تشكيلهم الوفود من كل الدول بما فيها مصر، وذلك لمقاومة الصهاينة في نهاية الأربعينيات، بعد نشأة دولتهم ، وقد كان هذا الحدث بداية للمشروع الصهيوني المدعوم بريطانياً!.
وكل ذلك وغيره حصل بوجود المحتل البريطاني فكيف يكون هذا المحتل هو الداعم بعد كل هذه الأمثلة الواقعية التي لا تغيب أن أي مراقب!، وإذا كان د.سعد سيأخذ من بعض الصحف أو المذكرات، فهذا أيضاً ينطبق على كثير من دولنا التي كُتب عنها في مذكرات وصحف بريطانيا الموثقة وغيرها من الوسائل غير الموثقة، بأن بريطانيا هي وراء رعايتها ونشأتها فهل سيعتمد د.سعد ذلك!؟، وهل يليق بأكاديمي مثل د.سعد أن يتغول في مصادر غير دقيقة يغلب على من يروجها الصحف الصفراء، وذباب التويتر!؟..
وبالنسبة عن حديثه المتعلق بالحركات الإسلامية في فلسطين، فأقول له بأن الرموز والحركات الدينية في فلسطين هي أكثر من قام بالتضحية لهذه القضية منذ نشأتها، مع التقدير لجهود غيرهم وقيمتها ، فمنذ الحسيني وعز الدين القسام وغيرهما والرموز والحركات الإسلامية تضحي من أجل القضية، ولا يشك عاقل بما قدمت حماس من شهداء من قواعدها وقياداتها، فهل من يقدم الشهداء ويكون في مواجهة المحتل في صراعاته هو من العملاء!؟ ، فماذا قدم ياسر عرفات ومنظمته وجورج حبش وغيرهم بالمقارنة مع حماس!؟، ومن يتعاون مع المحتل ويعقد معه مؤتمرات التعاون والسلام !؟، ومن حصل على ثقة الشعب الفلسطيني بأكثر من انتخابات برلمانية و نقابية وغيرهما؟، فهل نكذب التاريخ والواقع ونصدق ظنونك وأحاسيسك يا سعد بن طفله !؟..
ومن عوالم سعد بن طفله المتعددة أن حزنه وألمه على قضية فلسطين لم يُترجم إلى نقد شديد لبعض الأنظمة في الخليج التي وقعت معاهدات مع الصهاينة ، بل تطرفت بالعلاقة بما تجاوز أقوى أحلام "أنور السادات"!، والأعجب من ذلك بأنه حزن على علاقة حماس بالحوثي بسبب موقف محدد من قضية فلسطين دون الدخول بالأزمة اليمنية والخليجية( مع العلم أن الكاتب لا يوافق حماس على ذلك) ، وينسى موقف حماس من رفض الغزو العراقي عام ١٩٩٠م!، ومن آثاره حفاوة استقبال الشيخ سعد العبدالله للشيخ أحمد ياسين رحمهما الله ، وذلك قبل تعديل العلاقة مع منظمة التحرير!، والأغرب من د. سعد الثناء على دور ياسر عرفات ومنظمة التحرير، وكذلك دور جورج حبش الذين كان لهم مواقف سيئة من الغزو العراقي!، فأين حرصك على أمن الخليج وأنت تتناقض في مواقفك من تصرفات خصومه ولا توازن بينها!، مما يؤكد عوالمك المتعددة!.
وإذا قلنا أن سعد بن طفله لديه مشكلة مع الحركات الدينية ، والدول الدينية خصوصاً، فهو أيضاً لديه علاقة طيبة وثناء على دولة ترفع شعار الدين في أنظمتها ومواثيقها ، ومعروفة في المنطقة!، وكذلك تناقض في مواقفه من الظلم الذي تعرضت له الحركات الإسلامية بعد النتائج التي حققتها في الدول العربية وغيرها في انتخابات نزيهة ! ، وبعضها حصلت عليها انقلابات غير ديمقراطية، وتدخلات خارجية، مما يناقض ليبراليته!، وهذا كله يجعلنا نعزز من فكرة عوالم سعد بن طفله المتعددة وأن مشكلته هي محددة مع جماعة الإخوان المسلمين خصوصاً ، وكونها مشكلة نفسية أكثر ، خاصة بعد أن عرضنا هذه الأدلة الواقعية والتاريخية التي تعبر عن حقائق يصعب أن تُنكر، كما أنه لم يقدم من الوثائق في كلامه بما يعزز فكرته التي أراها متعددة العوالم!، ود.سعد شخصية ذكية وواعية لا تغيب عنه المنهجية،لذلك العجب أن تصدر كتاباته في ذلك وهو أكاديمي يبحث عن المنهجية، ولهذا الأمر فحديثه فعلياً ليس عن (صهيو خونجية) بل (صهيو نفسية)!
والله المستعان؛
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق