إن قصة فرقة المعتزلة التي ظهرت في العصر العباسي بشكل كبير وواضح بمعتقداتها خاصة في عهد المأمون والمعتصم تمثل تجربة مشهودة في التاريخ الإسلامي على الإقصاء من مجموعة فكرية لمجموعة أو مجاميع فكرية مخالفة وأيضاً تمثل مدى إستغلال هذه الحالة من الإقصاء الفكري لتكون من خلال الإستقواء بالسلطة والحاكم أو الدولة ، ربما تتكرر هذه الحالة بقوة في كل زمان ومكان ولا يشترط أن يمثل دور المعتزلة من هو على عقيدتهم وكل الآراء الفكرية لهم بل قد يكون النقيض ولكن الفكر الذي يجتمع عليه من الكل هو الإقصاء للآخر من المخالف الفكري ، وكما كان للمأمون أو المعتصم الدور السلطوي في إقصاء طرف على حساب طرف آخر أيضاً كان للمعتزلة الذين مثلوا الحاشية الدينية والقريبة للسلطة الدور في حث وإثارة السلطة على أهل السنة والعلماء الذين تصدوا لعقيدة المعتزلة وكان أحمد بن أبي دؤاد وغيره من المعتزلة الدور الأبرز في تحريض الحاكم وتقوية مذهب المعتزلة .
هذا الواقع التاريخي الذي ذكرته يتكرر في أكثر مكان وأكثر من زمان ، وما يحدث في وزارة الأوقاف شبيه بالواقع العباسي المشار إليه آنفاً ،فهناك من يعيش دور المعتزلة في المحاولة للسيطرة على الوزارة وإقصاء أي توجه مخالف لهم ،فهناك إقصاء واضح لمن يتبنى الفكر المخالف من خلال الإستغناء عن وجوده أوعدم ترقيته أو نقله في أماكن تحجم من عمله وجهده ، ويمتد هذا التحرك الإقصائي لإستبعاد الرموز الدينية والوعظية والفكرية المخالفة للفكر والتصدي لهم ولأدبياتهم وتقليل أثرهم ويوم إثر يوم تزيد هذه المحاربة بشكل أكبر حتى قاموا بمؤتمرات فقهية وفكرية لنقاش قضايا كبيرة للأمة تحتاج آراء متعددة ولكن الصدمة أننا لم نشاهد سوى الرأي الواحد والفكر الواحد والرمزية الواحدة! ، ومثلما كان أحمد بن أبي دؤاد المحرض على المخالف للمعتزلة والداعم الأكبر لفكرهم وعقيدتهم عند المأمون والمعتصم يوجد في وزارة الأوقاف أحمد بن أبي دؤاد محرض على الأفكار الأخرى ويحاول بشتى الطرق تزيين هذا الأمر لدى السلطات ..
كان مصير المعتزلة النهاية لسلطتهم وأساليبهم الإقصائية وكان مصير الفكر المقابل البقاء والإنتشار ومن هنا نتبين أن الإقصاء لا يدوم والفكر لا يستطيع أي متسلط أو من يشرعن للتسلط القضاء عليه فلا بد من التعايش وبعد النظر وعدم ظلم أي إنسان بسبب الفكر والإنتماء وإعطاء كل ذي حق حقه وعلى السلطة أن لا تكون كالمعتصم والمأمون بل عليها السماع والإنصاف للمخالف والبعيد والقريب ، لا للإقصاء خاصة وإن كان من يخالفنا يملك حجج بالشرع والمنطق والتاريخ .....تمت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق