إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 19 نوفمبر 2018

سيد قطب والتفسير السياسي للتوحيد



مع الحديث عن قضية تطبيق الشريعة الإسلامية والنزاع المتكرر حول الحكم الإسلامي بين التيارات الإسلامية بكافة ألوانها والتيارات العلمانية وبعض (أصحاب اللحى) الذين يعارضون طريقة التيارات الإسلامية في طرح موضوع تطبيق الشريعة ومسألة حاكمية الله سبحانه وتعالى تتكرر مسألة اتهام سيد قطب رحمه الله بشكل خاص والتيارات الإسلامية بشكل عام ب(تفسير الإسلام سياسياً) والهيمنة على معانيه الجوهرية من عبادة وتوحيد وأخلاق لصالح الجوانب السياسية التي تبين إرادة التيارات الإسلامية للهيمنة والنفعية ، وقد وقفت على عودة اتهام سيد قطب رحمه الله بهذه القضية ، وللأسف الشديد أن هؤلاء كعادتهم في الأغلب لم يتكلفوا بمطالعة المصادر بأنفسهم ولكنهم تحدثوا من خلال قصاصات ومنقولات من هنا وهناك بحسن نية أو سوء قصد (والله أعلم) ، وقد طرح رحمه الله القضية السياسية من خلال الحاكمية بسبب ما كان من خلل في القرن الماضي تجاه هذا المفهوم من تنحية صريحة للشريعة الإسلامية وسقوط الخلافة العثمانية دون أن يتجاهل بقية معاني العبادة والتوحيد وهذا المنهج لم يبتدعه وحده رحمه الله بل كان في كتب ومقالات لشيوخ الأزهر مثل الخضري بك والمطيعي وكذلك المحدث أحمد شاكر وفي السعودية المفتي محمد بن إبراهيم آل الشيخ في رسالته تحكيم القوانين حتى في مراحل لاحقة بكتابات الشيخ ابن باز برسالة نقد القومية العربية وكتاب التوحيد لصالح الفوزان وغير ذلك كثير ...، الشاهد من ذلك بإختصار أن قضية الحاكمية حاضرة في هذه المرحلة من القرن العشرين ولم تختصر في تيار معين أو رمز معين .‬
‫ ‬
‫إن قضايا العقيدة يتم طرحها بكثرة وقوة حسب الحاجة المرحلية والخلل الحاصل في أي زمن معين ففي فترة معينة كانت قضية نفي القدر عند القدرية والمعتزلة حاضرة وكذلك قضية الجبر وقضايا الصحابة والصفات الإلهية وتوحيد العبادة في مراحل متأخرة ، فتتبين وجود قضايا حاضرة في زمن معين لحاجة معينة في وقتها أو حاجة متكررة ، وسأضرب أمثلة بسيطة تبين أهمية مفهوم العبادة والتوحيد بشكل عام عند سيد قطب دون تجاهل منه للأصول مع حرصه على احياء قضية عصره ، فيقول عن مفهوم العبادة ((العبادة التي هي غاية الوجود الإنساني أو التي هي وظيفة الإنسان الأولى، أوسع وأشمل من مجرد الشعائر; وأن وظيفة الخلافة داخلة في مدلول العبادة قطعا. وأن حقيقة العبادة تتمثل إذن في أمرين رئيسيين:‬
‫ ‬
الأول: هو استقرار معنى العبودية لله في النفس. أي استقرار الشعور على أن هناك عبدا وربا. عبدا يعبد، وربا يعبد. وأن ليس وراء ذلك شيء; وأن ليس هناك إلا هذا الوضع وهذا الاعتبار. ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود; وإلا رب واحد والكل له عبيد.‬
‫ ‬
‫والثاني: هو التوجه إلى الله بكل حركة في الضمير، وكل حركة في الجوارح، وكل حركة في الحياة. التوجه بها إلى الله خالصة، والتجرد من كل شعور آخر; ومن كل معنى غير معنى التعبد لله )) فقد بين رحمه الله مفهوم العبادة بصراحة ووضوح كما هو دون تفسير خاص يتعلق بالحكم أو السياسة فلم يتجاهل كما قال خصومه هذه النقطة المهمة وقد بين أن الخلافة داخلة في معنى العبادة وأحد الأجزاء المهمة وليس كل العبادة ، وثم يبين في موضوع آخر من تفسيره مسألة إفراد الله في العبادة ومنطق الفطرة في ذلك ويبين خطورة شرك التماثيل والوسائل التي يضعها بعض البشر بينهم وبين ربهم وخطورة ذلك على التوحيد فيقول ((فلقد كانوا يعلنون أن الله خالقهم وخالق السماوات والأرض.. ولكنهم لم يكونوا يسيرون مع منطق الفطرة في إفراد الخالق إذن بالعبادة، وفي إخلاص الدين لله بلا شريك. إنما كانوا يبتدعون أسطورة بنوة الملائكة لله سبحانه. ثم يصوغون للملائكة تماثيل يعبدونها فيها. ثم يزعمون أن عبادتهم لتماثيل الملائكة - وهي التي دعوها آلهة أمثال اللات والعزى ومناة - ليست عبادة لها في ذاتها; إنما هي زلفى وقربى لله. كي تشفع لهم عنده، وتقربهم منه!‬
‫وهو انحراف عن بساطة الفطرة واستقامتها، إلى هذا التعقيد والتخريف. فلا الملائكة بنات الله. ولا الأصنام تماثيل للملائكة. ولا الله - سبحانه - يرضى بهذا الانحراف. ولا هو يقبل فيهم شفاعة. ولا هو يقربهم إليه عن هذا الطريق!‬
‫ ‬
‫وإن البشرية لتنحرف عن منطق الفطرة كلما انحرفت عن التوحيد الخالص البسيط الذي جاء به الإسلام وجاءت به العقيدة الإلهية الواحدة مع كل رسول. وإنا لنرى اليوم في كل مكان عبادة للقديسين والأولياء تشبه عبادة العرب الأولين للملائكة - أو تماثيل الملائكة - تقربا إلى الله - بزعمهم - وطلبا لشفاعتهم عنده. وهو سبحانه يحدد الطريق إليه. طريق التوحيد الخالص الذي لا يتلبس بوساطة أو شفاعة على هذا النحو الأسطوري العجيب)) فهذه نماذج ليست للحصر في دفع الشبهة الساقطة عن سيد قطب رحمه الله والتي يرددها شتى الخصوم من بعض المتصوفة والمتسلفة وغلاة العلمانية (سبحان الله كيف اجتمعوا) وستستمر المحاولات لتهوين قضية تنحية الشريعة الإسلامية وحاكمية الله تعالى بأن المحاولات المعاصرة هي تفسير سياسي للدين ولا تتعلق بالدين وهي دخيلة عليه ! فبعضهم حصر الدين في شرك القبور وبعضهم في الأسماء والصفات وبعضهم في الروحانيات في حق وباطل وبعضهم يريد إسلاماً هامشياً كما سماه سيد قطب رحمه الله إسلاماً امريكياً يختص في العبادات العادية ولا يتجاوز أبواب المساجد إن لم يطمح لهدم المساجد أيضاً!‬


‫ والله المستعان؛

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق